الحضرة” الشفشاونية .. أوّل فرقة نسائية للفنّ الصوفي بالمغرب
قبل سنة 2004، كانَ نطاق فن “الحضرة” الشفشاونية لا يتجاوز حدود الخيام وقاعات الحفلات التي تُقام فيها الأعراس والمناسبات الخاصّة، أمّا الآن فقد باتَ هذا الفنّ العريق معروفا، سواء في المغرب أو في الخارج، بعْدمَا كسرتْ ثلّة من نساء مدينة شفشاون، بقيادة الفنانة ارحوم البقالي، الطوق عنه.
“لمْ تتأسّس فرقة الحضرة الشفشاونية صُدفة، بلْ كانتْ ولادتُها نتيجة تراُكم سنوات من الأبحاث في الموسيقى الأندلسية العريقة”، تقول رئيسة الفرقة الحاصلة على الجائزة الأولى في الصولفيج والشهادة الشرفية في الموسيقى الأندلسية، والتي يرجع الفضل لها في تأسيس فرقة “الحضرة” الشفشاونية سنة 2004.
قبل ذلك كانَ هذا الفنّ الصوفي، كما تقول ارحوم البقالي، “مادّة خام”، يُغنّى من طرف النساء في الأعراس والحفلات الخاصة، ولمْ يكنْ مسجّلا في الإذاعة أو التلفزيون، رغم أنّ هذا الفنّ العريق تمتدّ جذوره إلى ما قبل خمسة قرون، وتناقلتْه الأجيال شفهيا جيلا بعد جيل.
لمْ تكنْ غاية ارحوم البقالي من تأسيس فرقة “الحضرة” الشفشاونية منحصرة في إخراج هذا الفنّ التراثي من نطاقه الضيّق إلى أفق أرحب فحسب، بلْ رامَتْ أيضا كسر طوق “الذكورية” عن الفنّ الصوفي، وهي اليوم تفتخرُ بكون فرقة “الحضرة” الشفشاونية هي الفرقة النسائية الوحيدة من بين الفرق الصوفية العربية والإسلامية التي تشارك في المهرجانات العالمية.
وثمّة غايات أخرى من وراء تأسيس فرقة “الحضرة” الشفشاونية، بحسب ارحوم البقالي، منْها، على سبيل المثال، تغيير فكرة أن النساء اللواتي يؤدّين هذا الفنّ لا يستطعن الإبداع خارج نطاق الأعراس والحفلات الخاصة، وأنّهنّ قادرات على الإبداع والتميّز، شأنهن شأن الرجال، مضيفة أنها استثمرت ما راكمتْه طيلة 20 سنة من الدراسة في النهوض بفنّ “الحضرة” الشفشاونية.
وبعيدا عن المنافسة و”الاحتكار” الذي يطبعُ المجال الفنّي، فإنَّ من الأهداف التي تسعى ارحوم البقالي إلى تحقيقها، تلقين الفن الصوفي، وخاصة “الحضرة” الشفشاونية لأكبر عدد من النساء، فقدْ تأسست خلال السنوات الأخيرة عدد من الفرق التي تؤدّي هذا اللون في مدينة شفشاون، المولع أهلها بالتراث والموسيقى الصوفيين.
وتُعتبر فرقة “الحضرة” الشفشاونية تجربة فريدة من نوعها في المغرب، وفي العالمين العربي والإسلامي، ففضلا عن كونها مشكَّلة من العنصر النسوي، فقد استطاعت، إلى حد ما، إعادة الاعتبار للزيّ التقليدي المغربي الذي ترتديه النساء في الشمال، والذي يعود إلى قرون من الزمن.
وقالت رئيسة الفرقة، ارحوم البقالي، في هذا الصدد، إنّ الزيّ الذي ترتديه عضوات فرقتها جرى اختياره بعناية فائقة، ومن أعماق التاريخ المغربي، “فقد اخترنا أنْ يكون الزيّ متناغما في عراقته مع الفنّ الذي نؤدّيه، وقدْ بحثتُ في صناديق الجدّات إلى أن لمْلمت أطراف هذا الزيّ الموحّد”، تقول المتحدثة، معتبرة أنَّ فرقة “الحضرة” الشفشاونية “لوحة تراثية متكاملة، تُطربُ الأذن وتُمتِّع النظر معا”.